#الصورة_الأخيرةىكيل، بشتغل دكتورة طوارئ .. في مستشفى صغير كدا في الأرياف، أنا أصلا من المنصورة، وعايشة هناك مع أهلي، والمستشفى اللي بشتغل فيه في قرية من قرى محافظة الدقهلية، المسافة ما بين بيتنا والمستشفى اللي بشتغل فيها حوالي نص ساعة بالعربية ..
حياتي كانت ماشية كويس أوي، زي أي دكتورة في سني، عايشة في مكان زي اللي انا عايشة فيه، حياة هادية يعني مفيهاش حوارات كتير .. أو مفيهاش حوار خالص، لحد الليلة دي .. اللي حصلي في الليلة دي قلب حياتي كلها رأسا على عقب ..
أنا كنت إنسانة محبوبة جدا جوا المحيط بتاعي، أهلي أو أصحابي أو جيراني، كلهم كانوا بيحبوني جدا، ومفيش أي حاجة وحشة بيني وبين أي حد، بس بعد الليلة دي، كل حاجة اختلفت، كل حاجة اتغيرت للأبد ..
اليوم دا مكانش أي يوم في حياتي .. دا كان عيد ميلادي .. أكبر عيد ميلاد اتعملي في حياتي لأنه آخر عيد ميلاد كان هيتعملي في بيت بابا، لأن دي آخر سنة هعيشها في بيت بابا، ومفروض اني هتجوز السنة الجاية ..
علشان كدا كل اللي اعرفهم تقريبا كانوا حاضرين عيد الميلاد، أهلي، واصحابي، والجيران، وخطيبي ..
وعشان احضر مناسبة زي دي طبعا كان لازم آخد اليوم دا أجازة من شغلي، وعشان آخد أجازة من شغلي كان لازم حد من زمايلي يشيل مكاني ..
حازم زميلي اتطوع وطبق نبطشية زيادة، الحفلة خلصت على خير الحمد ***، والساعة عدت 12، واتصورنا كلنا صورة عيد الميلاد .. صورة جماعية ظهر فيها كل الناس اللي حضرت الحفلة، وموقعهم مني بالترتيب كان بابا وماما وخطيبي واخواتي في الدايرة الأولى، وأصحابي في الدايرة التانية، والجيران في الدايرة التالتة، إحفظ الترتيب دا كويس لأنه مهم جدا، أنا خدت وقت كبير أوي على ما عرفت ان الترتيب دا مهم، وآديني دلوقتي بقدملك المعلومة من غير ما تتعب فيها خالص ..
بعد الحفلة ما خلصت جالي تليفون من المستشفى، بيقولولي تعالي فورا يا دكتورة، فيه حالة جاتلنا في الطوارئ سيئة جدا، راجل كبير، عنده حوالي 60 سنة، خطبته عربية، ويظهر ان اللي خبطه جري علشان اللي نقله المستشفى سواق نقل كان ماشي على الطريق السريع اللي الراجل اتخبط وهو بيعديه ..
قولتلهم طيب يا جماعة وانتو لسه هتستنوا لما اجيلكم المستشفى ؟ ما عندكم دكتور حازم اللي شايل النبطشية، قالولي دكتور حازم مشي من ساعتين عشان مراته بتولد، واحنا محبيناش نكلمك لأن النبطشية هادية جدا وكلمنا الدكتور اللي هيستلم من حازم ييجي بدري عن ميعاده ساعتين تلاتة بس .. مكانش قدامي وقت ..
نزلت بسرعة، ركبت عربيتي، وجريت على أقصى سرعة فيها .. كان نفسي في اللحظة دي تكون سرعة العربية أضعاف أضعاف سرعتها الحقيقية .. لكن السرعة الحقيقية كانت كفاية أوي علشان أخبط واحد بيعدي الطريق السريع وهو مش مركز ولا واخد باله ..
أو جايز انا اللي مكنتش مركزة، مش عارفة، بس لو كنت مش مركزة، إزاي حفظت ملامح الراجل اللي خطبته بالشكل دا ؟ دي ملامحه اتحفرت في خيالي .. كان راجل كبير، لابس جلابية بيضا عليها عباية حمرا .. أيوه العباية كانت حمرا، مش صفرا والإضاءة هيأتلي انها حمرا، هي كانت حمرا، وفوق راسه كان لافف عمة سودا ..
أما هو نفسه، كان عنده عين مقفولة ( أعور يعني ) ودقنه كانت طويلة وبيضا .. أنا حافظة ملامح الراجل اللي مشوفتش وشه غير لثواني قليلة، حافظاها كأني بشوفها كل يوم .. خبطته، طار على الأرض، وللحظة فكرت أعمل ايه ..
الطبيعي والمفروض اني اركبه العربية وآخده في طريقي للمستشفى، بس دا معناه محضر، وتحقيق، وقضية، ومش بعيد اتسجن واتفصل من وظيفتي، خليني أعترفلك ان الموقف كان معقد أوي ومحتاج قرار سريع، وانا كنت في حالة من الخوف والتوتر متسمحليش اني أفكر أو آخد أي قرارات، علشان كدا، لقيت نفسي بجري، بجري بأقصى سرعة، قبل ما حد يشوفني وياخد نمرة العربية ..
وصلت المستشفى وانا أعصابي منهارة، وملامح الراجل اللي خطبته مش عايزة تفارق خيالي، بس كان لازم أتظاهر بعكس كل دا، كان لازم ابان قدام كل اللي شافوني في المستشفى اني قوية ومتماسكة ومفيش أي حاجة مأثرة عليا أو مشتتة تركيزي، سألتهم فين الحالة ..
وسعت الناس اللي ملمومة حواليه، ودخلت، بصيت على وشه .. لقيته هو ..
راجل ستيني، دقنه بيضا، عنده عين مقفولة، لابس عمة سودا، وجلابية بيضا وعباية حمرا .. هو نفس الراجل بالظبط ..
إزاي ؟ مش عارفة ..
للحظة مخي عطل عن التفكير، وقلت جايز الراجل اللي خطبته فيه ناس شالوه وسبقوني على المستشفى بما إنها أقرب مستشفى للمكان اللي حصلت فيه الحادثة، بس رجعت فكرت تاني وقلت ازاي، هو الزمن بيمشي لورا وللا لقدام ؟ أنا الحالة دي وصلت المستشفى أصلا وانا لسه في البيت، من قبل ما اخرج ولا اسوق عربيتي ولا اخبط حد ..
قبل ما آخد أي قرار، وقبل حتى ما آخد وقتي الطبيعي في الصدمة والخوف والارتباك، كان الراجل لفظ أنفاسه الأخيرة وروحه طلعت لصاحبها ..
أسبوع كامل بعد الواقعة دي مش قادرة أركب عربيتي، مش قادرة اسوق، ولا عايزة حد يسوقلي، مش عايزة اشوف شكل العربية، وبقيت اروح شغلي مواصلات، مشكلة اني اروح شغلي مواصلات في حاجة واحدة بس ..
إني بضطر امشي مسافة كدا على رجلي من الطريق العمومي لحد بيتنا، مسافة تعملها بتاع 300 متر، مش كبيرة يعني، بس في الضلمة، وبالليل، وانا لوحدي، تخوف شوية .
مر 40 يوم بالظبط على ليلة الحادثة، 40 يوم مروا مرور الكرام، محصلش فيهم أي حاجة، لحد ما انا كنت بدأت أنسى واتجاوز اللي حصل ليلة الحادثة وارجع اواصل حياتي بشكل طبيعي، لولا بس ان بعد الليلة الاربعين حصلت حاجة غريبة شوية وانا راجعة البيت بالليل ..
كان فيه حد ماشي ورايا، كل ما اسرع في خطوتي يسرع، أدخل شوارع جانبية يدخل ورايا، أجري، يجري ورايا ..
الحد دا أنا مشوفتوش، بس شوفت ضله كان ماشي جنبي وبيهدي ويسرع معايه، الضل كان راسم صورة صاحبه ..
هو ضل راجل مش ست، راجل دقنه طويلة ولابس عمة .. معقول يكون هو ؟
بصيت ورايا .. ملقيتش أي حد .. رجعت كملت طريقي، لقيت الضل ماشي معايه خطوة بخطوة، ومش عايز يسيبني ولا يبعد عن طريقي ..
دخلت البيت في اليوم دا جري، قفلت الباب، ودخلت أوضتي وقفلت باب الأوضة كمان عليا ..
لحد ما سمعت خبط جامد على باب أوضتي، خوفت افتح الباب، لحد ما سمعت صوت بابا بيقولي افتحي الباب يا ندى بسرعة مامتك تعبانة ..
كانت حرارتها عالية عادي، نزلة شعبية غالبا .. بس الغريب في الموضوع ان ماما مطلعش عليها النهار ..
ماتت ..
فضلت حوالي شهر في حالة صدمة، مش مستوعبة اللي حصل دا حصل ازاي ولا حصل إمتى، مش متخيلة ان ماما خلاص مبقتش موجودة ومش هشوفها تاني ..
فتحت آخر صورة اتصورناها مع بعض، صورة عيد ميلادي ..
ملقتش ماما في الصورة ..
كانت مفاجأة كبيرة جدا، أنا مبصتش على الصورة دي من يوم ما اتصورتها، مش قادرة اعتمد على ذاكرتي بجد، ومش قادرة أحدد هي ماما فعلا مكانتش معانا في الصورة ؟ يمكن راحت تجيب أي حاجة واحنا بنتصور ونسيناها ..
أصل مش معقول تكون اختفت من الصورة، دا مش طبيعي يعني ..
عدى أربعين يوم على وفاة ماما، وبعد الاربعين بتاعها، نزلت شغلي تاني، كنت تعبانة حقيقي وفي حالة نفسية سيئة بس الحياة لازم تمشي، أدهم خطيبي أجل سفره لحد الاربعين، كان مفروض يسافر من أسبوع، وخلاص بقى عدينا الاربعين وكان لازم يرجع شغله في السعودية ..
نزلت شغلي، بس نزلت بالنهار مش بالليل، قضيت اليوم عادي مع إنه كان يوم تقيل جدا، وآخر اليوم روحت البيت ..
بس مروحتش لوحدي .. كان فيه ضل ماشي ورا الميكروباص اللي كنت راكباه .. ضل أنا عارفاه كويس وشوفته قبل كدا، المرعب في الموضوع ان الضل كان ماشي بنفس سرعة الميكروباص، كان ماشي جنبي خطوة بخطوة، كنت شايفاه كويس لأني كنت قاعدة جنب الشباك ..
وفضل الضل دا ماشي ورايا وانا ماشية في الشارع، مسابنيش غير لما دخلت البيت، فتحت الباب تاني بعد ما دخلت، وبصيت عالشارع، ملقتش أي حاجة، الضل مشي ..
معرفش إيه اللي خلاني المرادي أفتح موبايلي وابص على الصورة، صورة عيد الميلاد .. المرادي أدهم مش موجود في الصورة، أدهم خطيبي، اللي كان واقف جنبي وبيقطع معايه التورتة، مبقاش موجود في الصورة، الصورة طبيعية جدا، مش باين فيه أي أثر لتعديل، لا باين ان أدهم كان موجود واتشال من الصورة، لأ أدهم اختفى بشكل زي الطبيعي بالظبط، كأنه مكانش موجود في الصورة ولا في الحفلة كلها، كان عندي إحساس شبه مؤكد باللي هيحصل بعد شوية، كلمت أدهم عشان أقوله متسافرش ..
رنيت عليه كتير .. كتير جدا .. مردش .. وأخيرا رد .. الحمد *** ..
كان في المطار، بيختم الباسبور ومسافر، مكانش ينفع أقوله متسافرش، مكانش فيه وقت أشرحله أي حاجة، كان لازم حل سريع يرجعه عن طريقه ..
قولتله الحقني يا أدهم .. أنا بموت ..
وفعلا مركبش الطيارة، وخد تاكسي وجه جري على بيتنا، بس قبل ما يوصل البيت، كان سواق التاكسي عمل حادثة . وطبعا انتو عارفين كويس أوي ان خطيبي راح في الحادثة دي ..
#الصورة_الأخيرةي#الجزء_الثانيلاربعين يوم بالساعة، بعدهم وانا فاتحة صورة عيد الميلاد قدامي تقريبا ومبقفلهاش .. كل شوية أبص على الصورة واشوف مين هيختفي منها ..
لحد ما عدوا الاربعين يوم، وفي اليوم ال41 زي العادة، الضل رجع يظهرلي، وقصاده اختفت صورة بابا ..
مقدرتش اعمل أي حاجة تحميه .. إحساس مش هقدر اوصفهولكم انك تكون عارف ان فيه خطر هينهي حياة أعز الناس ليك، أبوك، بعد ساعات قليلة مش هيكون موجود في الدنيا، وانت الوحيد اللي عنده المعلومة .. ومتقدرش تعمل أي حاجة تمنع اللي هيحصل .. كـأنه قدر ومكتوب ومفيش منه هروب ..
كل اللي قدرت اعمله اني طلبت من ابويا مسيبنيش في اليوم دا لأني تعبانة، ومش رايحة الشغل ..
بابا ابتسملي وقالي انا معنديش مانع أقعد معاكي النهارده، بس لمجرد اني أكون معاكي، أشبع منك .. لكن حكاية انك تعبانة دي مش داخلة دماغي ..
قولتله يعني إيه مش داخلة دماغك ؟ قالي يعني مش داخلة دماغي ..
انتي خايفة عليا أموت ؟ مفيش حد يقدر يمنع الأجل اللي ر** كاتبه ..
قولتله انت بتقول ايه، وليه بتتكلم عن الموت دلوقتي ؟
قالي عشان انا عارف كل حاجة، انا رجعت ابص لصورة عيد الميلاد بعد وفاة مامتك، واتفاجئت انها اختفت من الصورة، أنا متأكد انها كانت طالعة في الصورة، بس انا ساعتها كنت لسه مفوقتش من صدمة موت مامتك، ومكنتش في حالة تسمحلي أفكر في أي حاجة ..
بس الموضوع اتكرر للمرة التانية مع أدهم خطيبك، والنهارده أنا نفسي اختفيت من الصورة، أنا مش فاهم ولا عارف أي تفسير للي بيحصل دا، لكن واضح ان اللي بيختفي من الصورة بيختفي من الحياة كلها، أنا لازم اسلم أمانتي في هدوء، خلي بالك من نفسك يا ندى .. نتقابل قريب في مكان أحسن ..
بابا قالي الكلمتين دول وحس باختناق مفاجئ، وانا أغمى عليا ..
لما فوقت في المستشفى عرفت ان أنبوبة البوتاجاز كانت مفتوحة ..
بابا مات بتسمم من الغاز، وانا كنت على وشك اموت معاه، بس معرفش إيه اللي حصل ..
على مدار شهور ناس كتير أوي اختفت من الصورة، والعدد اللي كان موجود فضل يقل، والدواير فضلت تخلص من حواليا، الموضوع مع الوقت اتحول لشيء عادي، وانا اتحولت لحد قاعد مستني دوره في الموت، بهدوء وسكينة، زي أي حد مستني دوره في البنك، مفيش خوف، مفيش قلق، لدرجة اني كنت بتسلى بلعبة التوقعات، وبشوف مين هيختفي من الصورة الأول من الناس اللي لسه باقية في الصورة ..
لحد ما فضل في الصورة اتنين بس .. طبعا انتو عارفين مين رقم واحد : أنا .. أما الشخص التاني اللي فضل معايه في الصورة كان محمود جارنا ..
محمود جارنا من زمان، كان طول عمره بيحبني من طرف واحد، هو بيشتغل قبطان بحري وعايش في الغردقة وكان راجع أجازة يوم عيد ميلادي بس عشان يحضر عيد الميلاد ويديني هديتي ..
بعد كل اللي حصلي وبعد ما فقدت كل اللي حواليا، محمود حس اني في أكتر وقت في حياتي محتاجاله فيه .. فقرر يرجع يقرب يمكن أديله فرصة جديدة ..
محمود مش فاهم ان كل اللي فاضله في الدنيا 48 ساعة، معنديش فكرة نهايته هتكون ازاي، بس متأكدة انه مش هيعيش أكتر من 48 ساعة، وانا هحصله بعد 40 يوم .. علشان كدا كنت شايفة ان من الرحمة أسعد الإنسان دا في لحظاته الأخيرة في الدنيا، مش هخسر حاجة لما اوافق على الارتباط بيه، ما هو ماشي بعد يومين، الناس هتقول عليا إيه يعني، نحس ؟ يقولوا، كدا كدا أيامي في الدنيا بقت معدودة ..
يوم ما قررت أرتبط بمحمود، قعدنا مع بعض لأول مرة من سنين..
وقالي انه في العادي مبيحبش يطلع في الصو خالص، الصورة الوحيدة اللي صمم يظهر فيها كانت صورة عيد ميلادي، صحيح كان واقف بعيد أوي، بس لحق يطلع في الصورة، وفي سري قولتله يا ريتك ما لحق يا محمود ولا طلعت في الصورة، آه لو تعرف ان الصورة الوحيدة اللي كنت حريص تظهر فيها هتبقى أكبر لعنة في حياتك وفي حياة كل اللي ظهروا في الصورة ..
يا ريتك كنت فضلت تصور الحفلة زي ما كنت بتعمل طول السهرة، ما انت اللي صورت كل صور الحفلة، اشمعنى الصورة دي بالذات اللي مصورتهاش .. إيه دا لحظة ..
صحيح، لما محمود مصورش الصورة دي، أمال مين اللي صورها .
محمود قالي انه معاه فيديو لكل اللي حصل في الحفلة، واننا حتى واحنا بنتصور صورة عيد الميلاد الجماعية كان سايب الكاميرا دايرة وبتجيب كل حاجة ..
فتحت الفيديو، بصيت كويس، كلنا بنقف جنب بعض عشان نتصور .. فيه إيد بس ظاهرة في الفيديو، ايد الشخص اللي بيصورنا ..
لكن فجأة الكادر بيوسع كأن الشخص دا بيتعمد يظهر في الفيديو، بييجي من ضهره في الأول، لكنه بيلتفت للكاميرا، ويبتسم ., قبل ما يبدأ يصورنا صورة جماعية ..
عارفين الراجل دا كان مين ؟
أيوه اللي جه في دماغك دلوقتي .. الراجل العجوز .. اللي عنده عين واحدة، ودقن بيضا طويلة، ولابس جلابية بيضا وعباية حمرا وعمة سودا ..
تمت،،،#الصورة_الأخيرةي
حياتي كانت ماشية كويس أوي، زي أي دكتورة في سني، عايشة في مكان زي اللي انا عايشة فيه، حياة هادية يعني مفيهاش حوارات كتير .. أو مفيهاش حوار خالص، لحد الليلة دي .. اللي حصلي في الليلة دي قلب حياتي كلها رأسا على عقب ..
أنا كنت إنسانة محبوبة جدا جوا المحيط بتاعي، أهلي أو أصحابي أو جيراني، كلهم كانوا بيحبوني جدا، ومفيش أي حاجة وحشة بيني وبين أي حد، بس بعد الليلة دي، كل حاجة اختلفت، كل حاجة اتغيرت للأبد ..
اليوم دا مكانش أي يوم في حياتي .. دا كان عيد ميلادي .. أكبر عيد ميلاد اتعملي في حياتي لأنه آخر عيد ميلاد كان هيتعملي في بيت بابا، لأن دي آخر سنة هعيشها في بيت بابا، ومفروض اني هتجوز السنة الجاية ..
علشان كدا كل اللي اعرفهم تقريبا كانوا حاضرين عيد الميلاد، أهلي، واصحابي، والجيران، وخطيبي ..
وعشان احضر مناسبة زي دي طبعا كان لازم آخد اليوم دا أجازة من شغلي، وعشان آخد أجازة من شغلي كان لازم حد من زمايلي يشيل مكاني ..
حازم زميلي اتطوع وطبق نبطشية زيادة، الحفلة خلصت على خير الحمد ***، والساعة عدت 12، واتصورنا كلنا صورة عيد الميلاد .. صورة جماعية ظهر فيها كل الناس اللي حضرت الحفلة، وموقعهم مني بالترتيب كان بابا وماما وخطيبي واخواتي في الدايرة الأولى، وأصحابي في الدايرة التانية، والجيران في الدايرة التالتة، إحفظ الترتيب دا كويس لأنه مهم جدا، أنا خدت وقت كبير أوي على ما عرفت ان الترتيب دا مهم، وآديني دلوقتي بقدملك المعلومة من غير ما تتعب فيها خالص ..
بعد الحفلة ما خلصت جالي تليفون من المستشفى، بيقولولي تعالي فورا يا دكتورة، فيه حالة جاتلنا في الطوارئ سيئة جدا، راجل كبير، عنده حوالي 60 سنة، خطبته عربية، ويظهر ان اللي خبطه جري علشان اللي نقله المستشفى سواق نقل كان ماشي على الطريق السريع اللي الراجل اتخبط وهو بيعديه ..
قولتلهم طيب يا جماعة وانتو لسه هتستنوا لما اجيلكم المستشفى ؟ ما عندكم دكتور حازم اللي شايل النبطشية، قالولي دكتور حازم مشي من ساعتين عشان مراته بتولد، واحنا محبيناش نكلمك لأن النبطشية هادية جدا وكلمنا الدكتور اللي هيستلم من حازم ييجي بدري عن ميعاده ساعتين تلاتة بس .. مكانش قدامي وقت ..
نزلت بسرعة، ركبت عربيتي، وجريت على أقصى سرعة فيها .. كان نفسي في اللحظة دي تكون سرعة العربية أضعاف أضعاف سرعتها الحقيقية .. لكن السرعة الحقيقية كانت كفاية أوي علشان أخبط واحد بيعدي الطريق السريع وهو مش مركز ولا واخد باله ..
أو جايز انا اللي مكنتش مركزة، مش عارفة، بس لو كنت مش مركزة، إزاي حفظت ملامح الراجل اللي خطبته بالشكل دا ؟ دي ملامحه اتحفرت في خيالي .. كان راجل كبير، لابس جلابية بيضا عليها عباية حمرا .. أيوه العباية كانت حمرا، مش صفرا والإضاءة هيأتلي انها حمرا، هي كانت حمرا، وفوق راسه كان لافف عمة سودا ..
أما هو نفسه، كان عنده عين مقفولة ( أعور يعني ) ودقنه كانت طويلة وبيضا .. أنا حافظة ملامح الراجل اللي مشوفتش وشه غير لثواني قليلة، حافظاها كأني بشوفها كل يوم .. خبطته، طار على الأرض، وللحظة فكرت أعمل ايه ..
الطبيعي والمفروض اني اركبه العربية وآخده في طريقي للمستشفى، بس دا معناه محضر، وتحقيق، وقضية، ومش بعيد اتسجن واتفصل من وظيفتي، خليني أعترفلك ان الموقف كان معقد أوي ومحتاج قرار سريع، وانا كنت في حالة من الخوف والتوتر متسمحليش اني أفكر أو آخد أي قرارات، علشان كدا، لقيت نفسي بجري، بجري بأقصى سرعة، قبل ما حد يشوفني وياخد نمرة العربية ..
وصلت المستشفى وانا أعصابي منهارة، وملامح الراجل اللي خطبته مش عايزة تفارق خيالي، بس كان لازم أتظاهر بعكس كل دا، كان لازم ابان قدام كل اللي شافوني في المستشفى اني قوية ومتماسكة ومفيش أي حاجة مأثرة عليا أو مشتتة تركيزي، سألتهم فين الحالة ..
وسعت الناس اللي ملمومة حواليه، ودخلت، بصيت على وشه .. لقيته هو ..
راجل ستيني، دقنه بيضا، عنده عين مقفولة، لابس عمة سودا، وجلابية بيضا وعباية حمرا .. هو نفس الراجل بالظبط ..
إزاي ؟ مش عارفة ..
للحظة مخي عطل عن التفكير، وقلت جايز الراجل اللي خطبته فيه ناس شالوه وسبقوني على المستشفى بما إنها أقرب مستشفى للمكان اللي حصلت فيه الحادثة، بس رجعت فكرت تاني وقلت ازاي، هو الزمن بيمشي لورا وللا لقدام ؟ أنا الحالة دي وصلت المستشفى أصلا وانا لسه في البيت، من قبل ما اخرج ولا اسوق عربيتي ولا اخبط حد ..
قبل ما آخد أي قرار، وقبل حتى ما آخد وقتي الطبيعي في الصدمة والخوف والارتباك، كان الراجل لفظ أنفاسه الأخيرة وروحه طلعت لصاحبها ..
أسبوع كامل بعد الواقعة دي مش قادرة أركب عربيتي، مش قادرة اسوق، ولا عايزة حد يسوقلي، مش عايزة اشوف شكل العربية، وبقيت اروح شغلي مواصلات، مشكلة اني اروح شغلي مواصلات في حاجة واحدة بس ..
إني بضطر امشي مسافة كدا على رجلي من الطريق العمومي لحد بيتنا، مسافة تعملها بتاع 300 متر، مش كبيرة يعني، بس في الضلمة، وبالليل، وانا لوحدي، تخوف شوية .
مر 40 يوم بالظبط على ليلة الحادثة، 40 يوم مروا مرور الكرام، محصلش فيهم أي حاجة، لحد ما انا كنت بدأت أنسى واتجاوز اللي حصل ليلة الحادثة وارجع اواصل حياتي بشكل طبيعي، لولا بس ان بعد الليلة الاربعين حصلت حاجة غريبة شوية وانا راجعة البيت بالليل ..
كان فيه حد ماشي ورايا، كل ما اسرع في خطوتي يسرع، أدخل شوارع جانبية يدخل ورايا، أجري، يجري ورايا ..
الحد دا أنا مشوفتوش، بس شوفت ضله كان ماشي جنبي وبيهدي ويسرع معايه، الضل كان راسم صورة صاحبه ..
هو ضل راجل مش ست، راجل دقنه طويلة ولابس عمة .. معقول يكون هو ؟
بصيت ورايا .. ملقيتش أي حد .. رجعت كملت طريقي، لقيت الضل ماشي معايه خطوة بخطوة، ومش عايز يسيبني ولا يبعد عن طريقي ..
دخلت البيت في اليوم دا جري، قفلت الباب، ودخلت أوضتي وقفلت باب الأوضة كمان عليا ..
لحد ما سمعت خبط جامد على باب أوضتي، خوفت افتح الباب، لحد ما سمعت صوت بابا بيقولي افتحي الباب يا ندى بسرعة مامتك تعبانة ..
كانت حرارتها عالية عادي، نزلة شعبية غالبا .. بس الغريب في الموضوع ان ماما مطلعش عليها النهار ..
ماتت ..
فضلت حوالي شهر في حالة صدمة، مش مستوعبة اللي حصل دا حصل ازاي ولا حصل إمتى، مش متخيلة ان ماما خلاص مبقتش موجودة ومش هشوفها تاني ..
فتحت آخر صورة اتصورناها مع بعض، صورة عيد ميلادي ..
ملقتش ماما في الصورة ..
كانت مفاجأة كبيرة جدا، أنا مبصتش على الصورة دي من يوم ما اتصورتها، مش قادرة اعتمد على ذاكرتي بجد، ومش قادرة أحدد هي ماما فعلا مكانتش معانا في الصورة ؟ يمكن راحت تجيب أي حاجة واحنا بنتصور ونسيناها ..
أصل مش معقول تكون اختفت من الصورة، دا مش طبيعي يعني ..
عدى أربعين يوم على وفاة ماما، وبعد الاربعين بتاعها، نزلت شغلي تاني، كنت تعبانة حقيقي وفي حالة نفسية سيئة بس الحياة لازم تمشي، أدهم خطيبي أجل سفره لحد الاربعين، كان مفروض يسافر من أسبوع، وخلاص بقى عدينا الاربعين وكان لازم يرجع شغله في السعودية ..
نزلت شغلي، بس نزلت بالنهار مش بالليل، قضيت اليوم عادي مع إنه كان يوم تقيل جدا، وآخر اليوم روحت البيت ..
بس مروحتش لوحدي .. كان فيه ضل ماشي ورا الميكروباص اللي كنت راكباه .. ضل أنا عارفاه كويس وشوفته قبل كدا، المرعب في الموضوع ان الضل كان ماشي بنفس سرعة الميكروباص، كان ماشي جنبي خطوة بخطوة، كنت شايفاه كويس لأني كنت قاعدة جنب الشباك ..
وفضل الضل دا ماشي ورايا وانا ماشية في الشارع، مسابنيش غير لما دخلت البيت، فتحت الباب تاني بعد ما دخلت، وبصيت عالشارع، ملقتش أي حاجة، الضل مشي ..
معرفش إيه اللي خلاني المرادي أفتح موبايلي وابص على الصورة، صورة عيد الميلاد .. المرادي أدهم مش موجود في الصورة، أدهم خطيبي، اللي كان واقف جنبي وبيقطع معايه التورتة، مبقاش موجود في الصورة، الصورة طبيعية جدا، مش باين فيه أي أثر لتعديل، لا باين ان أدهم كان موجود واتشال من الصورة، لأ أدهم اختفى بشكل زي الطبيعي بالظبط، كأنه مكانش موجود في الصورة ولا في الحفلة كلها، كان عندي إحساس شبه مؤكد باللي هيحصل بعد شوية، كلمت أدهم عشان أقوله متسافرش ..
رنيت عليه كتير .. كتير جدا .. مردش .. وأخيرا رد .. الحمد *** ..
كان في المطار، بيختم الباسبور ومسافر، مكانش ينفع أقوله متسافرش، مكانش فيه وقت أشرحله أي حاجة، كان لازم حل سريع يرجعه عن طريقه ..
قولتله الحقني يا أدهم .. أنا بموت ..
وفعلا مركبش الطيارة، وخد تاكسي وجه جري على بيتنا، بس قبل ما يوصل البيت، كان سواق التاكسي عمل حادثة . وطبعا انتو عارفين كويس أوي ان خطيبي راح في الحادثة دي ..
#الصورة_الأخيرةي#الجزء_الثانيلاربعين يوم بالساعة، بعدهم وانا فاتحة صورة عيد الميلاد قدامي تقريبا ومبقفلهاش .. كل شوية أبص على الصورة واشوف مين هيختفي منها ..
لحد ما عدوا الاربعين يوم، وفي اليوم ال41 زي العادة، الضل رجع يظهرلي، وقصاده اختفت صورة بابا ..
مقدرتش اعمل أي حاجة تحميه .. إحساس مش هقدر اوصفهولكم انك تكون عارف ان فيه خطر هينهي حياة أعز الناس ليك، أبوك، بعد ساعات قليلة مش هيكون موجود في الدنيا، وانت الوحيد اللي عنده المعلومة .. ومتقدرش تعمل أي حاجة تمنع اللي هيحصل .. كـأنه قدر ومكتوب ومفيش منه هروب ..
كل اللي قدرت اعمله اني طلبت من ابويا مسيبنيش في اليوم دا لأني تعبانة، ومش رايحة الشغل ..
بابا ابتسملي وقالي انا معنديش مانع أقعد معاكي النهارده، بس لمجرد اني أكون معاكي، أشبع منك .. لكن حكاية انك تعبانة دي مش داخلة دماغي ..
قولتله يعني إيه مش داخلة دماغك ؟ قالي يعني مش داخلة دماغي ..
انتي خايفة عليا أموت ؟ مفيش حد يقدر يمنع الأجل اللي ر** كاتبه ..
قولتله انت بتقول ايه، وليه بتتكلم عن الموت دلوقتي ؟
قالي عشان انا عارف كل حاجة، انا رجعت ابص لصورة عيد الميلاد بعد وفاة مامتك، واتفاجئت انها اختفت من الصورة، أنا متأكد انها كانت طالعة في الصورة، بس انا ساعتها كنت لسه مفوقتش من صدمة موت مامتك، ومكنتش في حالة تسمحلي أفكر في أي حاجة ..
بس الموضوع اتكرر للمرة التانية مع أدهم خطيبك، والنهارده أنا نفسي اختفيت من الصورة، أنا مش فاهم ولا عارف أي تفسير للي بيحصل دا، لكن واضح ان اللي بيختفي من الصورة بيختفي من الحياة كلها، أنا لازم اسلم أمانتي في هدوء، خلي بالك من نفسك يا ندى .. نتقابل قريب في مكان أحسن ..
بابا قالي الكلمتين دول وحس باختناق مفاجئ، وانا أغمى عليا ..
لما فوقت في المستشفى عرفت ان أنبوبة البوتاجاز كانت مفتوحة ..
بابا مات بتسمم من الغاز، وانا كنت على وشك اموت معاه، بس معرفش إيه اللي حصل ..
على مدار شهور ناس كتير أوي اختفت من الصورة، والعدد اللي كان موجود فضل يقل، والدواير فضلت تخلص من حواليا، الموضوع مع الوقت اتحول لشيء عادي، وانا اتحولت لحد قاعد مستني دوره في الموت، بهدوء وسكينة، زي أي حد مستني دوره في البنك، مفيش خوف، مفيش قلق، لدرجة اني كنت بتسلى بلعبة التوقعات، وبشوف مين هيختفي من الصورة الأول من الناس اللي لسه باقية في الصورة ..
لحد ما فضل في الصورة اتنين بس .. طبعا انتو عارفين مين رقم واحد : أنا .. أما الشخص التاني اللي فضل معايه في الصورة كان محمود جارنا ..
محمود جارنا من زمان، كان طول عمره بيحبني من طرف واحد، هو بيشتغل قبطان بحري وعايش في الغردقة وكان راجع أجازة يوم عيد ميلادي بس عشان يحضر عيد الميلاد ويديني هديتي ..
بعد كل اللي حصلي وبعد ما فقدت كل اللي حواليا، محمود حس اني في أكتر وقت في حياتي محتاجاله فيه .. فقرر يرجع يقرب يمكن أديله فرصة جديدة ..
محمود مش فاهم ان كل اللي فاضله في الدنيا 48 ساعة، معنديش فكرة نهايته هتكون ازاي، بس متأكدة انه مش هيعيش أكتر من 48 ساعة، وانا هحصله بعد 40 يوم .. علشان كدا كنت شايفة ان من الرحمة أسعد الإنسان دا في لحظاته الأخيرة في الدنيا، مش هخسر حاجة لما اوافق على الارتباط بيه، ما هو ماشي بعد يومين، الناس هتقول عليا إيه يعني، نحس ؟ يقولوا، كدا كدا أيامي في الدنيا بقت معدودة ..
يوم ما قررت أرتبط بمحمود، قعدنا مع بعض لأول مرة من سنين..
وقالي انه في العادي مبيحبش يطلع في الصو خالص، الصورة الوحيدة اللي صمم يظهر فيها كانت صورة عيد ميلادي، صحيح كان واقف بعيد أوي، بس لحق يطلع في الصورة، وفي سري قولتله يا ريتك ما لحق يا محمود ولا طلعت في الصورة، آه لو تعرف ان الصورة الوحيدة اللي كنت حريص تظهر فيها هتبقى أكبر لعنة في حياتك وفي حياة كل اللي ظهروا في الصورة ..
يا ريتك كنت فضلت تصور الحفلة زي ما كنت بتعمل طول السهرة، ما انت اللي صورت كل صور الحفلة، اشمعنى الصورة دي بالذات اللي مصورتهاش .. إيه دا لحظة ..
صحيح، لما محمود مصورش الصورة دي، أمال مين اللي صورها .
محمود قالي انه معاه فيديو لكل اللي حصل في الحفلة، واننا حتى واحنا بنتصور صورة عيد الميلاد الجماعية كان سايب الكاميرا دايرة وبتجيب كل حاجة ..
فتحت الفيديو، بصيت كويس، كلنا بنقف جنب بعض عشان نتصور .. فيه إيد بس ظاهرة في الفيديو، ايد الشخص اللي بيصورنا ..
لكن فجأة الكادر بيوسع كأن الشخص دا بيتعمد يظهر في الفيديو، بييجي من ضهره في الأول، لكنه بيلتفت للكاميرا، ويبتسم ., قبل ما يبدأ يصورنا صورة جماعية ..
عارفين الراجل دا كان مين ؟
أيوه اللي جه في دماغك دلوقتي .. الراجل العجوز .. اللي عنده عين واحدة، ودقن بيضا طويلة، ولابس جلابية بيضا وعباية حمرا وعمة سودا ..
تمت،،،#الصورة_الأخيرةي
التعديل الأخير: